وصلتنى رسالة قصيرة توضح كم الفوضى والبلطجة الذى وصلت إليه مصر.. تقول الرسالة:

«أنا محمد عبدالله من قرية كفر قنديل مركز أطفيح بالجيزة، والله يا دكتور القرية دى فقيرة جدا بس بعد الثورة الحرامية والرعاع واللصوص وقطاع الطرق بقوا راكبين جميع أنواع السيارات هيونداى، ماتريكس، وجيب شيروكى، وكيا، وفيات، وبيجو، وكمان موتوسيكلات، والمفاجأة إن فيه فريقين فريق بيبيع السيارة بس بعد ما يشيل اللوح والورق بتاعها بـ٥ آلاف أو ٦ آلاف جنيه وفريق تانى بيقطع السيارة ويبيعها قطع غيار وعاملين ورشة فى وسط البلد بتقطع فى وضح النهار، المشكلة مش كده المشكلة إن الشرطة بتنبههم لو فى حملة عليهم، يا دكتور البلد بتضيع وبتنهار اللى ينزل كفر قنديل يعرف أد إيه البلد خربانة».

تخيلوا قرية فيها ورش لتقطيع السيارات المسروقة جهاراً نهاراً وعينى عينك!!، سرقة السيارات فى مصر صارت دلالة على انعدام الأمن بشكل مرعب، لا يمكن أن نتحدث عن نمو سياحة أو ازدهار اقتصادى فى غيبة الأمن، لا يمكن أن نتحدث عن نهضة حقيقية أو مجتمع سليم وصحى دون أمن، الكل مرعوب، الكل خائف، صار الجار يشك فى جاره، وأصبح الصديق لا يأمن للصديق، لم يعد الليل فقط ستاراً للجريمة بل اشترك النهار كطرف أصيل فى اللعبة، مما يدل على أن التباهى بالعنف واستعراض الجريمة صار جزءاً لا يتجزأ من الجريمة، فى عز الظهر وفى أهم ميادين منطقة المهندسين تغتال سيدة فى سفنكس!، الرادع غاب والخوف ذهب والبجاحة صارت شعار المرحلة.

صارت هناك بلطجة سياسية وبلطجة اقتصادية وبلطجة إعلامية....إلخ، قرية تقبض على لصوص وتقطع أشلاءهم وتعلقهم على أعمدة الإنارة وترفض تسليمهم للشرطة ولا يحاسبون، بحجة أن أهلها غاضبون من اللصوص «اللى يستاهلوا اللى يجرالهم» من عقاب وثأر وقصاص!، أرصفة الكورنيش والشوارع انقلبت إلى مقاهى وفرشة فاكهة ومطاعم فول وطعمية ونصبات شاى وسحلب ومعسل!، الطرق السريعة انتهكت حرماتها بأقفاص اليوسفى والبرتقال وروث الحمير وركنات وجراجات الكارو!، شوارع الاتجاه الواحد صارت ثلاثة اتجاهات وأصبح من يقابلك فى العكسى غاضباً من تكاسلك وتراخيك فى أن تفسح له الطريق!!

هل هى مشكلة شرطة أم مشكلة شعب؟، هل البلطجى هو حامل السنجة ورافع المطوة فقط أم هو كاسر القانون المتباهى بكسره أيضاً؟.. نحن نهاجم التوريث وكل منا يريد توريث ابنه فى وظيفته ومكتبه وعيادته ومنصة قضائه!، نهاجم غياب القانون ونحن مولعون بتحطيم القانون وتكسير قواعده فى كل لفتة وسلوك.. فى النهاية هل سنقول، اقتباساً من إحسان عبدالقدوس: «يا عزيزى كلنا بلطجية»؟!